وذا أردت أن تنام نوما هادئا وتذهب الى سريرك دون خوف مما سوف تواجهه من خواطر قاتلة .. فعدم القدرة على التفكير هى أقراصك المنومة..
ولكن اذا كنت من الذين يتمتعون بقدر لا بأس به من الذكاء وقدرة ما على التفكير والتحليل فأنت اذن تحيا فى جحيم أرضى.. تحيا سجين احساس قاهر.. هذا الاحساس الذى سوف تجده يستولى عليك عندما تكون شخصا عاقلا.. وواعيا.. والكل يتعامل معك على هذا الاساس.. بينما كل شئ وشخص من حولك يدفعونك بثقة.. للجنون.. ويضغطون على أعصابك وعليك أن تتصرف كشخص مسئول.. توظف انفعالاتك حسب كل موقف.. وتتعامل مع كل شخص بالشكل الذى يناسبه وفرضه عليك اطارك المجتمعى.. هذا تحترمه رغم أنه لا يستحق.. ذلك تحتويه وأنت فى أشد الحاجة لمن يحتويك.. وهذا بالذات أحذر فى حديثك معه لانه حساس.. ومنفسن.. ومن تحبه وتتمنى أن تخضع بين يديه عند رؤيته يجب ، تعامله " رسمى ".. أو " كأخ ".. وهذه خبيثة فلنلتقط من بين كلامها ما قد يسئ لك.. ورد عليه بشكل أكثر خبث..
فكل شخص.. وكل موقف .. له أسلوب تعامل.. وتعبير وجه معين.. واياك أن تخطئ .. وبعد كل هذا الكم من التركيز على مدار يومك.. كل هذا الابداع المجتمعى منقطع النظير.. تأتى لنهاية يومك لتمارس هوايتك المفضلة.. " الارق " مع كمية لا باس بها من التفكير المضنى فيما حدث طوال اليوم.. ما كان يجب أن يقال ولم تقله.. أو ما قلته وشعرت بسخافته بعدها.. ورد الفعل هذا كيف لم يأتك فى الموقف ذاك.. هذا الحساب اليومى المقدس.. ولاضرر من بعض المشاهد الكئيبة من شريط حياتك السينمائى ..
والان .. أنت جاهز لتفرغ تلك الدموع التى لا تأتى الا باعتصار كل عصب من أعصاب وجهك.. حتى البكاء أصبح عسيرا.. ولكن يجب أن تفرغ طاقتك المختزنة يوما بيوم.. أفرغها مختبئا فى وسادتك .. فأنت لست بحاجة أن يرى أحد دموعك.. " كل واحد فيه اللى مكفيه " .. وتستيقظ لتمارس يومك التالى بنفس النشاط الفاتر.. ونفس الاداء التمثيلى المحكم.. وبهذا الشكل تتوالى أيامك.. وشهورك.. وسنينك السو.. " ماعلينا ".. ولن تجد وقت لتنهار أو تضعف. فالانهيار والضعف.. أصبحوا من رفاهيات الحياة.. قل لى اذن من سوف يقوم بواجباتك وأدوارك فى هذا المسلسل الدنيوى العقيم اذا انهرت؟ يجب أن تظل صامدا.. ولتمش بخيلاء وسط الناس.. والابتسامة الواثقة لا تفارق جانب شفتيك.. ولتكن أكثر أصدقائك ضحكا وتهريجا.. ولاتقلق على صحتك من هذا الضغط العصبى.. فأجهزتك الجسدية ستظل تعمل.. والا كيف تتنفس الان وقلبك ينبض.. ليس المهم اذا كانت تعمل بكفاءة أم لا.. انها تعمل وهذا يكفى.. لن ننكر أنك سوف تكون لك تواصل مذهل مع أجهزة قياس الضغط.. وعلاقة وطيدة مع أقداح القهوة التى سوف تفرغها فى أمعائك برضا.. وستحرق قدر ما تشاء من أعقاب السجائر .. وتنتفخ عيناك وتحمر أحداقك.. وقد تلجأ الى بعض الاعشاب التى تلف فى ورق رقيق الملمس وتذهب العقل لقليل من الوقت .. ولكن لاتقلق " محدش بيموت ناقص عمر ". ولا تقلق أيضا من هذا الفتور الذى يزداد معدله فى روحك فتور من كل شئ وكل شخص وأى معنى من حولك.. فكل هذا طبيعى.. واعلم أنك لن تثق فى كلام أحد .. ولن تصدق أنه مازال هناك شئ حقيقى .. الجميع يمارسون أدوارا كتبها لهم القدر بحرفية واندمجوا هم فى أدائها حتى أوشكوا أن ينسوا من هم حقا.. حتى أنت سيأتى عليك وقت تنسى فيه كيف كنت من قبل.. كيف كانت مشاعرك الخاصة وليس التى فرضت عليك.. وماهى أبعاد شخصيتك الحقيقية.. فقد انغمست فى أداء أدوارك باتقان غير مسبوق و " نسيت نفسك".. وتكون مرحلتك التالية انقساما ذاتيا على نفسك.. فسوف تفاجأ بردود أفعالك.. ومشاعرك.. ورغباتك.. وأساليب الوصول اليها وكأنك اثنان.. " أنت " و " هو ".. " هو " يفعل. ويقرر.. ويتخذ لك قراراتك.. و " أنت " تشاهد وتراقب ببلاهة لتتفوق فيها على نفسك وبعد كل هذه الامتحانات القاسية التى مرت بها أعصابك صاغرة.. تجدها وقد تمردت عليك وترفض أن تمر بأى امتحان آخر.. وتأبى أن تنفعل لك.. أو تحزن من أجلك.. أو تهتز للخيانة المريرة التى مررت بها.. فهى قد ملت منك فى هذا المشوار القاسى بعد أن أجهدها استعمالك المستمر لها.. فتجدها قد توقفت عن العمل تماما. وقتها.. قد تغلق على نفسك فى بعض اللحظات وتتساءل : لماذا لم تحزن على هذا.. وكيف لم أغضب من ذاك.. أين أنا.. من أنا.. هو فى ايه؟! فلا تجعل من فضلك هذه اللحظات تشوش أداءك تماما.. واندمج مرة أخرى.. استدر للكادر الدنيوى وابتسم وكأن لم يمت شئ بداخلك.. أنت غير ميت.. ولكن أيضا.. لست حيا!
|